2016/05/21

أمام القانون| ترجمة: د. مشاعل الهاجري

في مجلة العربي، العدد 639 – 2012/2

ترجمة: د. مشاعل الهاجري

أمام القانون، يجلس حارس البوابة، جاء رجل من الريف يبحث عن القانون، وطلب المثول أمامه، ولكن الحارس أجابه بأنه لا يستطيع الدخول في الوقت الحالي. فكر الرجل قليلًا، ثم سأل الحارس عما إذا كان سوف يتاح له الدخول فيما بعد، قال الحارس: «ذلك محتمل»،  «ولكن ليس الآن».

كانت البوابة المفضية إلى القانون مشرعة، كالعادة، ولما مشى الحارس إلى جانبها، انحنى الرجل ليرى من خلالها نحو الداخل. عندما لاحظ الحارس ذلك، ضحك قائلًا: «إذا كان الأمر مغريًا لك، فحاول الدخول، ولكن انتبه: أنا قوي، ومع ذلك فأنا أدنى الحراس مرتبة، فمن غرفة إلى أخرى يقف حراس آخرون، وكل منهم أقوى من الآخر، إنني لا أستطيع أن أحتمل حتى مجرد النظرة من ثالثنا».

لم يتوقع الرجل الريفي هذه الصعوبات، كان يعتقد أنه من المفترض أن يكون الدخول على القانون متاحًا للجميع، ولكنه بينما كان ينظر الآن – عن قرب – إلى الحارس ذي الرداء المصنوع من الفرو، وإلى أنفه المعقوف الكبير ولحيته التترية السوداء النحيلة، فكر في أنه من المستحسن أن ينتظر إلى أن يحصل على الإذن بالدخول.

أعطاه الحارس كرسيًّا وسمح له بالجلوس على الجانب أمام البوابة.. هناك، جلس الرجل أيامًا وسنين.

قام الرجل بالعديد من المحاولات للدخول، وأتعب الحارس بطلباته، وكان الحارس كثيرًا ما يستجوبه باختصار، سائلًا إياه عن موطنه وعن أشياء أخرى، ولكنها كانت جميعًا أسئلة غير مبالية، من ضرب تلك التي يسألها العظماء، وفي النهاية كان دائمًا يخبره بأنه مازال لا يستطيع السماح له بالدخول. كان الرجل قد جهز نفسه بعدة أشياء لهذه الرحلة، ولكنه أنفق كل ما يملك – حتى الأشياء الثمينة – كي يقنع الحارس.

أخذ الأخير كل شيء، قائلًا: «إنني آخذ منك ذلك حتى لا تعتقد أنك فشلت تمامًا». خلال تلك السنوات، كان الرجل يراقب الحارس باستمرار، لقد نسي أمر الحراس الآخرين، وبدا له هذا الحارس الأول العقبة الوحيدة أمامه حتى يدخل إلى القانون، كان يلعن الظروف السيئة بصوتٍ عالٍ في السنوات الأولى، ولكن مع تقدمه بالسن صار يكتفي بالهمهمة فقط.

صار الرجل يقوم بتصرفات صبيانية، فخلال السنوات الطوال التي قضاها في دراسة أحوال الحارس، تعرف عن قرب على البراغيث التي كانت تسكن ياقة ردائه المصنوع من الفرو، حتى إنه طلب من تلك البراغيث أن تساعده في إقناع الحارس!

في النهاية، ضعف بصر الرجل، فلم يكن متأكدًا إن كان الظلام يحيط به أو أن عينيه كانتا تخدعانه، ولكنه أدرك الآن أن هناك وهجًا يلمع في الظلام دون أن  يخفت، صادرًا عن بوابة القانون.. لم يعد أمامه الآن زمن طويل ليعيشه، قبيل وفاته، استجمع في رأسه كل تجارب حياته، فانتهت إلى سؤال واحد لم يسبق له أن طرحه على الحارس، ولما كان لم يعد بوسعه تحريك جسده المتصلب، فقد لوح إلى الحارس، الذي اضطر إلى الانحناء، فالفرق العظيم قد غير الأمور كثيرًا إلى غير صالح الرجل: «ما الذي مازلت تريد أن تعرفه الآن؟» سأل الحارس، «أنك نهم»، «الكل يسعى للقانون»، قال الرجل، «فكيف أتفــق أنه خلال تلك السنوات العديدة لم يطلب أحد الدخول عليه عداي؟». رأى الحارس أن الرجل يحتضر، فصرخ في أذنه في محاولة للوصول إلى سمعه المتناقص، «لا يمكن لأحد الدخول، لأن هذا المدخل كان مقررًا لك أنت وحدك، سوف أغلقه الآن».