2015/06/27

الشهيد الصادق

الإنسان حين يشكو من شيء ما أو يصيبه جلل يميل في مرحلة ما إلى إنكار ما يمر به  و لذلك تحليل مفصل من حيث الأسباب و النتائج و هذا في الحقيقة أمر طبيعي و مرحلة من مراحل التخلص مما يعيق الإنسان حتى يتجاوز كل ذلك، أما الإنكار في النظام المؤسسي ليس بالشيء الطبيعي خاصة إن من مقومات المؤسسة التنبؤ بالأحداث وفق المعطيات المتاحة و الأحداث الداخلية و الخارجية في الحدود القريبة و البعيدة.
داعش من وقت طويل ( طول الوقت هنا عامل مهم في مسألة التنبؤ و التجهيز) تمارس جرائمها في الدول المجاورة و في حدود قريبة جدًا أولها المملكة العربية السعودية و البحرين و العراق و على مسافة أبعد نسبيًا سورية و باقي المناطق، و لهذا في النظام المؤسسي توزيع الأدوار و الأعمال له قيمة فعلية في تحقيق الهدف من وجود النظام المؤسسي الذي يبدأ أولًا دون تردد في مسألة الأمن ثم مسألة الحرية و ما عداه يمكن اعتباره شيء ثانوي خاصة أن كل ما هو بعد ذلك يتطور على مسألة -الأمن و الحرية-، لفهم ذلك و دور كل إدارة هو وجود وزارة "الداخلية" في المسائل القريبة، و وزارة "الخارجية" إلى المسائل الأبعد.
الهدف من إنشاء وزارة الداخلية هو: توفير الأمن ثم التنظيم و ما ترتبط فيه من أمور لا تنفك نهائيًا عن -الأمن-، و في السنوات الماضية لم يكن للداخلية دور عملي تطبيقي في مسألة الأمن الحقيقي لا الوهمي، بقيت الوزارة و من فيها يركزون على المسائل التي إن صحت مقارنتها في الأمن الحقيقي مسائل يمكن أن تعبر دون أن تكون هي الشغل الشاغل لوزارة و أفراد على مختلف مستوياتهم الفكرية/الاجتماعية/السياسية، أصبح الجزء الأكبر من الوزارة مجرد تحصيل مخالفات و قرارات عشوائية و القاء قبض دون أي مسوغ قانوني ( هذا لن يفهمه من تحركه عواطفة على كل حال )، و أصبح الهاجس "السياسي الداخلي" هو محرك الداخلية الأول رغم أن كل من عارض الدولة كإدارة كل ما فعله ببساطة هو تعبير عن رأي، لا شيء أكثر حتى أصبح تركيز الداخلية على رصد الآراء السياسية و اعتبارها تهديد و محاولات زعزعة نظام و اخلال في العلاقات مع دول الجوار ( التي لم تحرك أي ساكن اتجاه مواطنينها إن عبر أيًا منهم على رأيه -الشخصي- و حتى الفكري و الديني و المذهبي اتجاه الكويت ) و أصبح التحرك من قبل الداخلية على أن الخطر هو من رأي، و غضت البصر عن بعض متصدري الساحات ممن يسمى رجل دين/نائب ديني/و بعض العقول و القلوب المتعفنة فأصبحت الكويت هدف سهل لمرضى و ارهابيون داعش و غيرهم ممكن يأخذون الدين و المذهب حجة و طريق لكسب العطف و ترقيع فشلهم و سفالتهم.

خسرنا اليوم أصدقاء و أحبة و خسرت الكويت كل ذلك، و لست من محبي المثالية و كتابة دعوات عاطفية "مؤقتة"، و من هو قريب مني يعلم جيدًا أني لا أقيم احترام سوى للإنسان مهما كان انتماءه الديني و المذهبي، السياسي و الفكري، الوطن و الجنسية، و لا يهمني من كل ذلك سوى الإنسان، الدعوات العاطفية و شحن العقول و القلوب يأتي من السذج، و الساذج هو الخطر، يتم تجنيدهم فكريًا و هذا خطأ المؤسسة و خطأ المجتمع المدني و خطأ كل فرد على هذه الأرض كان مواطن أم مقيم، عدم الرفض و السكوت السلبي و التعليم و التربية و رسائل السلطات هي دافع و مشجع لتكاثر السذج و تبسيط الميل للإرهاب الفكري الذي لا يجنى منه سوى القتل المعنوي و المادي، كم مرة خرج لنا تافه و ساذج يشجع داعش بطريقة غير مباشرة و هناك من تعدا الوقاحة و اتخذ التشجيع المباشر و لم يتصدى له أحد، كل ما في الأمر كتابة أحرف مملوءة سخرية و كوميديا و ينتهي الموضوع، و لم تحقق الداخلية في ذلك، 
و في المواجهة و لعدم الإنكار هناك تبعات على ما حدث سواء من منظمات مدنية و من سياسة دولة و من قيم فردية، الكويت تجاوزت الكثير و أعلم في قرارة نفسي أن كل هذا سوف تتجاوزه الكويت، و التجاوز ليس هو المهم، فالأهم هو تقليل آثار ما يحدث، لأن هذا الذي يبقى و هذا الذي يجب العمل عليه أما التجاوز يأتي بلا شك بعد ذلك و للتوصل لأدنى الخسائر البشرية و المادية و القيمية و الإيمان بمؤسسة قادرة على التماسك مهما بدا الأمر من الوهلة الأولى بصعوبته.

و في سياق الأمر ذاته، ليس تقسيم الانتماءات الدينية/المذهبية/السياسية بخطأ، و من يتعمد ذلك هو في ذاته يقسم الناس في التعامل السلوكي و المواطنة و الحقوق المدنية على ما يراه مناسب، تقليل قيمة الانتماء ظاهرة منتشرة و هذا ليس بأمر صحي على المدى البعيد بل نتائجه أصبحت واضحة الآن، و من السذاجة محاولات محو الانتماءات بحجج وطنية، فالمواطنة رقم واحد هو احترام ما يعتقده و يؤمن به الآخر من معتقد أو فكر طالما أن ذلك لا يشكل خطر على الأمن أولًا. و هذا ما لم يستوعبه ممن يأخذ ردة فعله بمجرد معرفة ما هو حق من حقوق الطرف المقابل.

صلاتي لمن فقدنا من أحباب و لعوائلهم الكريمة.
تحية احترام و محبة لكل من تبرع بالدم و شارك بإسعاف الجرحى و نقل الشهداء و احترام خصوصيتهم و نشر كلمة خير و مشاعر شفقة لمن اتخذ من هذه الحادثة الإرهابية مرتع ماشية لبث أمراضه و أفكاره الهدامة.

2015/06/08

توهان الفرد بين المؤسسة و المجتمع

في فهم مصطلح النقد أن تفنّد ما يمر عليك و وضع المشكلات الحقيقية مع توافر الحلول، و في خصوصية الكويت أننا لا ندرك المشكلات و الحلول متاحة و لهذا يبقى الحال على ما هو عليه دون أي تقدّم و تطوّر بل العكس تمامًا، تبدأ المشكلات في التعليم بحكم أنه البناء الأول للإنسان و كل ما بعده يمكن أن يعتبر عوامل ثانية و ثالثة، المناهج تعتمد على كمية معلومات لا معرفة، من المرحلة الإبتدائية حتى الجامعية و هذا أمر محزن جدًا، الغالبية ممن لم يتلاحق على تعليمه الذاتي سيكون آلة طباعة للمعلومات القديمة و دون معرفة قيمية فعلية. الجانب الاجتماعي هو الطامة الآخرى فالجميع يرى أنه مظلوم و مع ذلك يرى أنه الأفضل و في تقسيم ذلك في مسائل: من أتى للكويت أولًا و هذا ليس في حالة تمييز إن كنت تؤمن بالمدنية و العلمانية، و في صك الغفران للوطنية و هي -الجنسية- و تصنيفاتها بدرجات: ( أولى تأسيس-تجنيس/ثانية/رابعة/خامسة/سابعة..الخ) و جعل ذلك مبدأ مقترن بمدى الولاء و المواطنة، و لم يتم التخلص من هذه العقد التي تغذيها السلطة بما يتناسب للحفاظ على سيطرتها السلبية حتى افتتح باب سحب الجنسية و إسقاطها دون أي تصريح رسمي على الأسباب و استخدام الجنسية -لوي ذراع- للكسب و الاستبداد، و ادخال كمية فوضى لفوضى سابقة ضمن عقليات تدير و تعيش على احترامك فقط على ما ورد في ورقة جنسيتك، و كذلك زج هذه العقليات في صراعات جانبية مثل مسائل المذاهب و الأديان بحكم أن الغالبية جمهور عاطفي ساذج، و دمج كل ذلك في قضايا إزدراء لشغلهم عن أهمية الاستقرار السياسي، مع قصور كلي في إدراك أن الدولة -الصحية- تمتلك معارضة و تمتلك كذلك مؤيدين فهذه حالة توازن لا تخلو منها أي مؤسسة تقوم على أدنى درجات الديمقراطية و المدنية و الحد من التفرّد، و في مسألة المعارضة هي معارضة هشة تقوم على أساسيات شخصية مصلحية -مؤقتة- مع بقاء الفكر القبلي/العوائلي و خشية النقد و نقص في فهم أبسط العلوم السياسية و فلسفتها و اعتبار المؤسسة حالة مؤقتة رغم أن الإدارة هي الأحق بذلك لا المؤسسة، و في الكف الآخر اعتبار الطموح و النقد لذلك هو -خيانة- و محاولات للتخريب و عدم الاستقرار بحجة توافر حقوق بديهية باعتبارها -منّة- أحيانًا عليك تعليم الناس معنى الحقوق الطبيعية جيدًا قبل البدء بالحقوق المترتبة على الأصيلة منها، محاولات الاصلاح تبقى محاولات، و تفكيك المعنى الحقوقي لمصالح شخصية و درج -فش خلق- لا يعدو سوى تبيان ضحالة الفكر و الإدراك، لا أحد يقبل النقد لعمله لأن عمله -شخصي- في الأصل لهذا يرى كل رأي هو إهانة و مجرد الملاحظة يتضح لك كل ذلك حتى دون أن ترتدي نظارتك، الصراعات هذه التافهة ستكون مصدر قوة لمزيد من التخلف و مزيد من تقييد الحرية الاجتماعية/السياسية/الاقتصادية و توسعة للسجون و تردي الأوضاع أكثر و أكبر. و مع كل هذه المآسي تعيش في مجتمع و بين أفراد عنصري بغيض، مرفه حد التفاهة يرى راتبه الشهري قبل حريته و يرى السجن بيت لمن يخالفه، و يخدع نفسه بالتخلص من ظلم و جور و ذل باستبداد باسم جديد طالما أنه من يذله و يعتبره حثالة و خائن لا يظهر له -قولًا- ذلك.
حاول أن تنقذ ما تبقى منك  فلا شيء يظهر لك منفذ نور.