2013/07/19

حوار ودي مع إيميل سيوران

أذكر حين قرأت لك منذ وقت طويل، أسرتني الفكرة، من هذا؟ من هذا -الإنسان- الذي زلزل فكرة لي؟

حين أتوق للقاء، أراك وأحادثك هكذا هو الجنون، جنون الشؤم المحمود، جنون أن أتمنى لو التقينا فعلاً، جلسة واحدة كانت تكفي، تكفي في هذا العالم، ومن جنوني بأفكارك -وقليلاً- بك رأيت هذا الحوار لنا معاً.

لطيفة: أود أن أكتب عنك من هذه اللحظة حتى مغيب الدقيقة الأخيرة من هذه الحياة.

سيوران:" لا ينبغي الكتابة عن أحد، أبدا. لقد اقتنعت بجدوى هذه الفكرة إلى درجة أنني كلما ملت إلى فعل ذلك، كانت فكرتي الأولى أن أهاجم الشخص الذي سأكتب عنه، حتى وإن كنت معجبا به."

لطيفة: هجومي لك لا قيمة له في الكتابة هذه،هجومي في نقد ما تقول وما حفظت لنا مما تعتقد وترى، أم في ذلك سوء؟

سيوران: نقد الحياة بأسرارها الموحشة، نقد الوجود العدمي هو الأحق، لا ضياع للوقت هنا، بقدر كرهك لها، لابد أن تحبينها كما لا تحبين أحد ما.

لطيفة: أعليّ أن أكون بهذه السطحية لأصل؟ نقدي لها يتعبني، لا أحد يسمع مني شيء عنها، يظن أن أكره تواجدي عليها، رغم أني أفحص ما يدور بي بفضلها... لا أحد يدرك هذا الألم بي.

سيوران: سأخبرك بسر، لن أشرح منه شيء فأنت أقدر على المعاني الخفية، قلت في وقت ما حين كنت في حالة غريبة:
"أن تتألم يعني أن تكون أنت ذاتك تماماً أن تبلغ حالة عدم تطابق مع العالم."

لطيفة: هل في ذلك معرفة أن عدم التطابق استثناء؟ أم هي قاعدة؟ حسناً، لن أكمل.
لكن لماذا عليّ أن أكون بهذه الدرجة غريبة؟ غربة مؤلمة في كل شيء؟

سيوران:"أن تتألم يعني أن تنتج المعرفة."
من لا يتألم لا يتطور لا ينتج لا يدرك الماهية ولا له في المكان حيّز.

لطيفة: كنت أعتقد الألم ضعف؟ 
أعليّ أن أكون متألمة لأكون متقدمة؟

سيوران: "اللاشعور وطن،الوعي منفى."
لك اختيار البقاء، أراك بحقيقتك وأرى أنك لا تختارين-السائد- وكل ما هو -متداول-، العيش في الصدق البعيد، مائة مرة ألطف من الكذب القريب، أراك في مكانك الحقيقي.

لطيفة: أن نبقى في المنفى بلا صديق ولا رفيق ولا أغنية ولا شراب ماذا يتبقى لي؟
الحب وحده؟ ماذا لو تركني؟ تركني وحيدة في منتصف الطريق، أعتقد ذلك يجعلني في دائرة-الغضب- ثائرة دائمة،لا أعلم كيف أبقى دون شيء، شفافة.

سيوران: "أحلم أحيانا بحب بعيد وبخاريّ مثل انفصام العطر..."
كل شيء يا لطيفة لا يبقى على ماهو عليه،حتى ذلك الحب الذي تتصورين، هو حالة مؤقتة، كما وجودنا هنا.

لطيفة: أود بشيء حقيقي.

سيوران: الحب نصفه ألم ونصفه فرح، لا شيء بعد ذلك، قبول الحب إما في كماله أو لا تقتربي منه.

لطيفة: أواه يا سيوران، أن الحياة كلها هكذا، تأتيني لتقول هو الحب هكذا؟
أم مازال وعيك حاضر؟

سيوران:"كل ما نستطيع تصنيفه قابل للتلف. لا يدوم إلا ما هو قابل لتعدد التأويل."

لطيفة: إن قابلية الحياة للتأويل تفوق قدرتنا الإدراكية وأن أعوّل على الحب بلا تصنيف ثابت يجعل منه حاجة دائمة ومؤقتة في الحال نفسه، هذا ما أظنه، ويا خوف عقلي من ظني.

سيوران: عليك أن تمضي في هذا الزمن بخبرة التأويل والتعويل، لاتساع مداركك وارتفاع وعيك وفهمك عن العامة من هؤلاء.

لطيفة: أذكر أن أرسلت لي مرة في وقت متأخر من الليل حين كنت على غير العادة: "إذا كنت لا أحس بالزمن، إذا كنت بعيداً عنه أكثر من أي كان، فأنا بالمقابل أعرفه. إنني أتأمله استمرار: إنه يشغل مركز وعيي." لا أعتقد هذا يطابق ما قلته لي قبل قليل، أعتقد أني أضعت بوصلة الفهم.

سيوران: امضي للزمن تماهي معه وابتعدي عن تعريفاته فيما عاش به وسقط في مصطلحه الواسع، عليك أن تسقطي في الزمن، التوهان في لحظته الظاهرة والخفية، أن تنسجم ذاتك فيه ولا تبقى هناك طويلاً، والآن اختاري شيء لقراءته عقلك يحتاج للتنفس-اليومي- كما جسدك.


*كل الحوار محض خيال من عقلي، ما عدا ما بين "الأقواس" هي عبارات إيميل سيوران.

هناك تعليق واحد:

qadsawee يقول...

ويبقى الحب كما الواحة التي تضيع في سراب منفى الوعي